الاثنين، 8 سبتمبر 2008

أي اتجاه ؟؟


كان يوم نزهته ... وطلب مني لعبة كان يريدها منذ فترة ... فلم أجد بدا من أن ندخل ذلك الشارع رغم زحامه ....
أخذنا نقلب عيوننا بين المحلات بحثا عن بغيتنا ... كانت عيناه تتقافز ظمأى .. وكنت أنظر اليهما أكثر من بحثي .. حتى لمحت ارتواءهما .. تلاه صيحته :
- ها هي .. ها هي يا أبي ..
- حسن جدا .. هيا لنحضرها ...
كان يتقافز جواري وأنا امسك يده .. ولم يستغرقنا الأمر كثيرا رغم ازدحام المحل الشديد ... اعطيته لعبته ... تركت يده لأخرج النقود ....
أين وضعتها ... ها هي ...
نقدت البائع وانتظرت الباقي ....
سنرحل أخيرا ....
- هيا بنا ل ....
نظرت حولي .... لم أجده .... أخذت اصرخ مناديا ... هرعت ابحث عنه ... تحول المشي إلى ما هو أقرب للركض وعيناي هما الأخريان تركضان ... تتقافزان في الوجوه الصغيرة بحثا عنه .... ولساني يصرخ مناديا عليه ... ولكن هيهات أن يسمعني في هذا الزحام ..
لم أبالي باصطدامي بالمارة وتأوهاتهم التي تليه وأحيانا سبابهم ....
حتى استوقفني أحدهم :
- انتظر قليلا ... لماذا تسرع هكذا ...؟ عم تبحث ....؟
- ابني ... ضاع مني ..
- وكيف تعتقد أنك ستجده هكذا ؟؟
- ماذا أفعل إذن ؟؟؟
- في شارع مزدحم كهذا ابحث عن بيت قريب الارتفاع ... بين ثلاثة أو أربعة طوابق .. اصعد إلى السطح ... ستجد نفسك ترى كل الشارع ..
نظرت له متعجبا مترددا ...
- هيا ... لا تضع الوقت ... ابنك ضائع ..
ثم أمسك بذراعي واقتادني لبيت قريب مفتوح المدخل ... وتركني ... استدرت لاجد الزحام قد ابتلعه ... فكرت لثوان ثم حسمت أمري .. وصعدت ...
أخذت اعتصر عيناي لأحثهما على المزيد من التمعن ... كنت أقف على السطح وامسح الشارع من أوله لاَخره .... ثم ..
- ماذا تفعل عندك يا هذا ..
التفت مفزوعا ..!
- انت لست من ساكني البيت ... كيف جئت هنا ؟ وماذا تريد ..؟
- وجدت الباب مفتوحا ... ابني ضاع مني وأردت رؤية أفضل لأبحث عنه ..
أخذ ينظر إلي وهو يزن كلماتي ... ولكن عرقي البادي وقلقي أقنعاه ....
- وهل هكذا تظنك واجده ..؟
- وماذا افعل ؟
- لابد أنه قابع في مكان ما يبكي ... من هنا لن تميز شيئا .... عد إلى الشارع .. ابحث ثانية .. ولكن بشكل منظم .. حتما ستجده ...
وجدت في كلماته بعض المنطق ... وبالفعل عدت إلى الشارع .. قررت تقسيمه والبحث بنظام ... وشرعت بالفعل في ذلك ....
كان الشارع مزدحما جدا ... مزدحما بالناس والأضواء والمتاجر ....
وتكررت تساؤلات المارة ... وتكررت إجابتي ...
- ابني .. ضاع مني ..
- كن أكثر حرصا يا أستاذ ...
- ابني .. ضاع مني ..
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. كان الله في عونك ..
- ابني .. ضاع مني ..
- ربما دخل هنا.. اسألهم ..
- ابني .. ضاع مني ..
- لم أر أي أطفال ..
هنا .. وقفت منهكا .. استندت إلى جدار ألهث .. ودمعتي إرهاق وأسى تقاوما عيناي طامعتا الخروج ...
حتى لمحت ذلك الرجل قادم من بعيد .. ميزت وجهه .. إنه بائع الألعاب الذي اشتريت منه .. وهذا في يده .. انه .. ابني ...قادم معه ... ركضت نحوهما ... احتضنت ابني وأنا أبكي ...
- أين ذهبت يا أبي ... لقد انتظرتك كثيرا ... أقلقتني ...
نظرت إليه ملئ عيناي .... وأنفجرت ضاحكا ......