الخميس، 27 نوفمبر 2008

لا أريد سواه ......

كادت نظرتها تحتضنها ... وهي تتأملها تجهز نفسها للقاء اليوم....

كأي أم ... كانت تتمنى مثل هذا اليوم.... ولكنها كأي أم مكانها وجلة منه أيضا ....

- مبروك يا بنيتي ... وكل قلبي رجاء للخالق أن يتم اليوم بخير .....

- كفي قلقك يا أماه .... واتركي الأمر برمته لمشيئة الله ...

- تقلقني عادتك في إفساد الأمر كل مرة ....

- هل يجب أن نناقش هذا الآن ؟؟

- إنما قلقي هو م......

- كفيه .... وحوليه دعاء .... فما أحوجني له اليوم...

- ربك يعلم كم أدعوه .... من أجلك....

ثم تركتها ... ولم يبارحها قلقها ... ولم يهدأ ... فهي تعلم ابنتها وتعلم ما تنتوي ....

" احفظها يا إلهي .... لا ملتجأ لي سواك .. أنت وحدك تعلم كم أخاف عليها ... كم أحبها .... ولقد سامحتها ورضيت عنها ... فارض عنها من أجلي .... أنت تعلم أنها تستحق كل خير.... وليكن ما تريد فهو كل الخير .... "

لم ترد أن ترى ابنتها دمعتيها اللتين سالتا .... فغابت في حجرتها ..... وتركت لدموعها حرية الانهيار .....

***********************

أعادها صوت جرس الباب .... مسحت دموعها واطمأنت على شكلها أمام المرآة .... بينما ابنتها الصغرى تفتح الباب ....

خرجت لتستقبل الضيوف .... طالعها وجه امرأة في مثل عمرها تقريبا ... تنعكس الطيبة على ملامحها بلا قيد من خبث ....

وولدها .... شاب في مقتبل العمر .... كلماته ونظراته توحي أنه رجل يعرف ما تعنيه الكلمة ....

- أهلا وسهلا .... أنرتم البيت وزدتموه شرفا ....

- أهلا بك .... هو منار بأهله ...

- تفضلا .....

وجلسا ... وأخذت الكلمات الخجولات تتناثر بينهم .... وجرأتها تزداد بزيادة الألفة .... حتى ابتعدت الضحكات عن التكلف شيئا فشيئا ....و .....

- ها قد حضرت ....

التفت الشاب وعيناه تلمعان باللهفة .... وقلبه يخفق بقوة .... وعينا أمه بينه وبين الفتاة التي كانت تتقدم .... خطواتها تحمل الثقة والاتزان ..... وعيناها تترجماهما .....

- أهلا يا بنيتي تعال ... كيف هي أحوالك ؟؟؟

- بخير يا سيدتي ....

- كفي لسانك عن هذا السخف ... نادني بخالتي ....

نظرت أمها مبتسمة مع ابتسامة ابنتها والشاب وهي تقول :

- طبعا خالتها ... ولن تجد من هي أحن وأفضل ...

- هو فرط ذوقك من يتكلم ....

- بل هي حقيقة قلبي ينقلها لساني ....

كانت تقولها ونبرات صوتها القوية تنتهي بما يشبه تنهيدة حارة.... ولم تكن مبررة سوى لابنتها التي قالت :

- أماه .... لم أرك تتحدثين عن أحد بهذا الود من أول لقاء

- هي أجبرتني فتاتي .... هي وابنها ....

ثم نظرت لها نظرة ذات معنا واضح لكليهما .....

وعادت الكلمات تتناثر .... وهذه المرة تخلت عن خجلها وتحلت بالود والمرح .... كانت جمل الشاب تتمها الفتاة .... وأفكار الفتاة تطفو بلسان الشاب .... كان التوافق رائعا ...

حكيا كيف تقابلا صدفة .... وتعرفا صدفة .... وكيف جمعتهما أخر سنة في الجامعة وافترقا بوعد .... وعدها أنه لن يراها أو يحادثها إلا يوم يتقدم لها .... ووعدته أنها لن تفكر أو حتى تحلم بغيره .....

- ها قد وفيت بوعدي ....

- وأنا ....

صمتت ... كان ينظر لأمه مترقبا وقع كلماتها عليها ... ولكن صمتها المفاجئ جعله يحول نظره إليها مندهشا

- وأنت ماذا ؟؟؟

- هناك ما يجب أن تعرفه ....

كانت نظرات أمها المستعطفة تمزقها .... وهتاف بداخلها يدعوها للتراجع .... ماذا سيحدث لو لم يعرف ؟؟ .... لن يفرق ذلك شيئا .... وكل ما يلي يمكن تدبره ....

ولكنها أسكتت ذلك الصوت بحسم....

- هناك أمر طرأ في حياتي في الفترة السابقة .... وكان سببا في وفاة أبي .... وكنت أنا سبب ذلك الأمر ...

نظر لها متوجسا .... وأمه تترقب كلماتها بعينين متسائلتين... وأمها .... كانت نظرتها تحمل رجاء أخيرا يائسا ....

- أنا مدمنة في مرحلة التعافي ......

وطغى الصمت ...... وظل الوجوم يعلو وجهان .... والحزن يعلو الثالث .... والإصرار يمتلك الرابع .....

- أعتقد أنه من الحكمة أن نرحل الآن ..

- أماه ....

- ليس هذا قرار يا بني .... ولكن تلك المسكينة أفضت بما يفوق قدرتها ... أعطها فرصة .... وأعطنا نحن أيضا فرصة .... شكرا سيدتي على حسن ضيافتك وودك ... وشكرا فتاتي على صراحتك ..... نستودعكم الله .....

ودونما كلمة واحدة أخذت حقيبته واتجهت إلى الباب ... وتبعها ولدها وهو يشد نظراته الحيرى التي تأبى أن تبرح وجه الفتاة التي كانت تطرق بوجهها منذ نطقت بكلماتها ... ورغم ما يعلوه من إصرار .... كان يصحب ذلك الإصرار خجل .... وحزن عميق......

ولم تقو أمها على الحراك ..... لم تقو حتى على رد كلمات أمه .....

وأنغلق الباب دونهما ......