الجمعة، 4 مارس 2011

يوم آخر من الشقاء ....

استيقظت – بافتراض نومي أصلا – شاعرا بشئ من الضيق ... لا لشئ سوى أنني وجدت أن وقتا طويلا بيني وبين موعد نزولي ... والمكوث في المنزل كل ذلك الوقت دون شئ محدد لأفعله يجعلني أفكر ... الأمر الذي يجعلني أنزل متعكر المزاج كالعادة ...

فماذا لدي لأفكر فيه سوى حواري المعتاد مع ذاتي التي لا تمل تأنيبي .. وكأن حياتي ملكي أو ظروفي رهن قراراتي ... وتتعمد دائما تذكيري بحلمي الذي خلفته منذ عدة سنوات خلف تلال من الحياة اليومية الرتيبة التي لا جديد فيها في عمل لا يناسبني أحاول فيه أن أوفر ما يكفيني ... وقد صار حلم الزواج بعيدا , وحلم الرجل الميسور الحال المثقف ذو المكانة الاجتماعية والأدبية .... كل ذلك ينوء بحمل الأيام الثقيلة التي تمر فقط لتمر .... هي حياة تمر .. وفقط ... وليتها تنتهي!!!!

كفى .....

سأقف في الشرفة قليلا ... عل ذلك يوقف أفكاري ... علي أرى ما يشغلني ....

أخذت كوب الشاي وخرجت إلى الشرفة .... كانت جارتي تنشر كعادتها ومعا ابنتها الصغرى متعلقة بها, ابتسمت لها متصنعا ومحييا , وسألتها دون اهتمام حقيقي عن زوجها وما إلى ذلك ....

شرفتانا متلاصقتان تقريبا يفصل بينهما نصف متر على الأكثر ...

الطابق السابع هو لذا أرى الدنيا بوضوح ...

ها هو فتى آخر منخدع بلحظات السعادة الحمقاء التي تتركها له نظرة من فتاة مراهقة ما ... وكأن الحياة ستمهله ليرى حلمه واقعا ....

وها هو المقهى يفتح أبوابه مستقبلا رواده من العاطلين والطلبة الذين صارت مدرستهم حجة خروج لا أكثر ....

يوم آخر معتاد ... لا شئ غريب ....

التفت بتلقائية لجارتي لأحييها قبل أن أدخل فلم أجدها وكدت أدخل بالفعل لولا ....

تلك المهملة ... لقد تركت ابنتها الصغرى ذات الخمس سنوات تلهو وحدها في شرفة منخفضة السور في الطابق السابع ... أي أم تلك !!!!

أخذت أناديها دون جدوى .. لا تسمع ...

اللعنة ... الطفلة تعتلي الكرسي الصغير ....

نظرت لها محذرا .... فضاحكتني ملاعبة ....

أخذت أصرخ مناديا على أمها ....

لا رد ....

الطفلة اعتلت الكرسي ....

بعيدة عن متناولي ... تنظر لي وتضحك .... جسدها الآن يتدلى خارج نطاق السور ....

يا إلهي .... أخذت أحاول الوصول إليها بلا جدوى ...

مزيد من صراخي لأمها ... أيضا بلا جدوى ....

الطفلة تتأرجح بالمقعد .... يكاد يخونها ... تضحك غير واعية بالخطر الوشيك ... أكد أقفز .... لا حل سوى أن أفعل ....

الحديد المحيط بالسور سيعوقني عن العبور إليها ... الأحمق يظن نفسه يحمي منزله من اللصوص بهذا الشئ الأحمق ... لا وقت ... سأقفز إليها ...

نظرت لأسفل ... يا إلهي ... المسافة بعيدة جدا ...

الطفلة تنظر لي ... تظنني ألعابها فتزداد حركتها ... كأنها تهرب مني ... توقفي أرجوكي هذا كاف لتسقطي ... اضطررت أن اتوقف مكاني لكي تتوقف بدورها ....

مسافة قصيرة تفصلني عنها ... الناس في الأسفل ينظرون ويقرعون الأجراس دون جدوى ... لابد أن الأم أصابها شئ ما .... الطفلة تنظر لي منتظرة حركتي التالية وقلبي يخفق بشدة ... أشعر بخفقاته تدفعني دفعا وتكاد تسقطني .....

يا إلهي ... إنها تتحرك ستسقط ... لا جدوى لابد أن أقفز ... ولكن ...

لا ... لا يوجد لكن ستسقط ....

نظرت لي ... تلاقت عينانا .... عيناها تضحك وهي لا تعي ما يحدث ... فقدت توازنها .... تحولت الضحكة لنظرة ذعر ... قفزت لأمسك بها ......

.................................

الخميس، 19 فبراير 2009

ديموقراطية الصراخ ...

هل الصراخ دليل على الحرية ؟؟؟
إن من يملك الفعل يفعل , في الواقع لا يصرخ سوى المكبل ...
ونحن مكبلون ... أكبال تحيط بأعناقنا وأيدينا وأرجلنا ...
فعنقنا مكبل بحيث إن أردت تحريره اختنقت ...
نحن فقط نملك ما يجعلنا نعيش ... وربما نمرض قليلا ... ولكي تملك ماهو أكثر عليك أن تتخلى قليلا عن مبادئك ... حينها تستبدل القيد بقيود ... فلن تملك وقتها الاعتراض على الفساد وقد صرت من رواده !!!!
ويدانا مكبلتان فإن أردت تحريكهما فشلت ...
هو قيد الخوف ... الخوف الذي تغذيه الشائعات والقصص المفزعة عن أسطورة الأمن الذي لا يقهر والذي رجاله بلا قلب ...
الخوف على من تحب ... والخوف على ما تحب بداخلك أن يتعرض للإنتهاك بما يفوق قدرتك على التحمل ....
لقد سمعت أحدهم يقول يوما أن الأمن يتنصت على هواتفنا الخلوية وهي مغلقة !!!!
دعك من أن الأمر مستحيل تقنيا ... فالمفزع في الأمر أننا نشعر بكل هذا الكم من الحصار والقدرة لرجال الأمن لدرجة تجعلنا نصدق مثل هذا ....
هناك قيد آخر لأقدامنا فإن حاولت السير أعاقك ....
إنه الإلهاء .... حيث تغذي وسائل الإعلام بشدة أشياء بعينها كمسابقات كرة القدم والقضايا الموسمية التي لا تهم إلا أصحابها في الواقع ... فتجد البرامج الحوارية تتحدث بكثافة وتغطية مهولة عن مقتل فنانة لم يعرفها كثير منا إلا بخبر موتها ...
ومسابقات كرة القدم التي صارت صناعة هائلة يستفيد منها قطاع هائل أيضا من الناس دون جهد يذكر ... فيكفيك بعض الذكاء والعلاقات لتصبح معلقا رياضايا أو حتى محللا ....
ومن الاستفادة يأتي الاهتمام و يزداد قيد الإلهاء إحكاما ......
ليس الأمر إيمانا بنظرية المؤامرة .... ولا هو محاولة للتظاهر بالذكاء ..... ولكنه تساؤل كبير وقوي ....
بل في الواقع.... هو نوع آخر من الصراخ .... حتى هذه الكلمات هي تنويع آخر على الصراخ ... صراخ المكبل ....

الاثنين، 9 فبراير 2009

طلبا للتدرب على استمرارية الكتابة وإيجاد منفذ منتظم للتعبير عن وجهة نظري وتفعيل المدونة بشكل أفضل ... قررت كتابة مقال دوري ثابت في المدونة ...وليكن بشكل أسبوعي ... لا شئ بسيط ... هذا سيكون العنوان سأناقش كل شئ مهما بدا بسيطا أو تافها في أعيننا وأحلل تأثيره الحقيقي من وجهة نظري ومن أمثلة واقعية شهدتها .... ليس ذلك معناه فقط مناقشة هذه الأمور بل كل شئ البسيط والكبير ... الفكرة أن لا شىء مهما بدا صغيرا يمكن إهمال تأثيره أو حجمه وبالتالي من الأولى مناقشة ما نراه مهما وكبيرا ... وسأبدأ بأول مقال ...
______________________________________________________________________
الاستمتاع ... هل هو ترف ؟؟ هل هو حق ؟؟ هل يحق له أن يكون هدفا ؟؟ حين تجد نفسك تشاهد فيلما ما أو تقرأ شيئا ما لمجرد الاستمتاع ... قد تشعر أن ذلك مضيعة للوقت وقد تظن أن الاستمتاع المجرد لا يجب أن يكون غاية وأن هدف ما لابد أن يولد من بين دفات الكتاب أو مع صور الشاشة ليصل بك لمكان ما يختلف عما بدأت فيه ... وكأن عطش الاستمتاع الذي بداخلنا ذلك لا يحق له في الارتواء , وكأن الإنسان اتى هذه الدنيا في مهمة ثقيلة يريد الانتهاء منها كأسرع ما يكون ... فهل تعلم أن ما يدلك على الهدف الحقيقي من هذه الحياة هو الاستمتاع ؟؟؟ تأمل كل مواقف الحياة ... بل تأمل كل ما فيها ... إن كل ما نفعل يهدف في نهاية الأمر لأن نستمتع بالرضا عن أنفسنا ... حتى حين نساعد الآخرين نساعدهم لأننا نريد أن (نشعر ) بأن لنا أهمية في حياتهم ... نريد أن نستمتع برضانا عن أنفسنا حين ندرك أن لنا دور في حياة هؤلاء الناس ... نتعبد ونحافظ على الفروض لأننا نهدف إلى الإستمتاع في النهاية بالجنة ... بل والأتقياء يريدون متعة القرب من الخالق أو متعة حب الخالق ... متعة الرضا عن النفس حين نشعر أننا مختارين أو مخصوصين ... نتزوج للإستمتاع برؤية كيان يتكون بأيدينا وينتج أطفالا نرى فيهم إنجازنا فيمتعنا رضانا عن ذلك الإنجاز .... نعمل لنشعر بمتع عدة ... متعة الإنجاز حين نرى ما ينتجه عملنا , متعة القيمة حين نحصل على مقابل سواء مادي أو معنوي مقابل هذا العمل , متعة الشعور بالتفوق حين نترقى أو نتميز في هذا العمل .... نتعلم لنحصل على متعة كشف المجهول واختراقه , وأحيانا أيضا للإحساس بمتعة التفوق أو الإنجاز , وربما لتجنب الشعور بالخزي أو عدم المساواة بالآخرين فنستمتع بكوننا تجنبنا هذا الأمر , نستمتع بالارتياح ... حتى أكثر الناس إيثارا تجدهم مستمتعين بذلك , أكثر الناس حزنا حين يستغرقون فيه يستعذبونه ... ألم يخلق الله لنا الدنيا جميلة لنستمتع بمشاهدتها ؟؟؟ ألم يخلق لنا حاسة تذوق إنتقائية تستمتع بالطعام اللذيذ ؟؟ الحياة الخاصة للأزواج تحمل متعة فريدة , وكل ذلك يكون كيان متناغم من الاستمتاع يحمل في مجمله الهدف والفكرة الأساسية للإنسان ... تجد أنك إذا ظللت تبحث عن متعة في شكل واحد دون الآخرين فإنك تمل في النهاية , فهدف الإستمتاع الكلي لا تصل له سوى بمجموع أجزاء المتع الصغيرة المتجاورة , ولن تجد ذلك الكيان الاستمتاعي مالم تحسن ضبط بوصلة ذاتك بشكل صحيح , ولهذا السبب وضع الله لنا قواعد محددة لإيجاد هذا الاستمتاع ... أنظر لفروض الإسلام الخمسة مثلا ... الصلاة تحقق لك المتعة والإشباع الروحي الذي يوجد في ذاتك عطش تلقائي له , كما أنها تفي بالإستمتاع بالانتظام والإنجاز ... الزكاة تنطوي على استمتاعك بإفادة الآخرين وشعورك بفائدتك وقيمتك ... الصيام يمتعك بالإحساس بالقوة والتحكم والرقي ... الحج يحمل الكثير من المتع , ككشف المجهول والتعلم بالسفر , المتع الروحية العديدة التي تتركز بوجود الآلاف من المتشاركين في شعور واحد في آن واحد , الإستمتاع بالتواصل والاتصال بثقافات وأفكار أخرى , وغير ذلك كثير .... الشهادتان تحملان قدرا كبيرا من الاستمتاع بالانتماء , وتجسيد وتفعيل الشعور , جرب أن تفكر في الشهادتين لفترة حتى يملأك معناهما , ثم قلهم بقوة وكررهما بذات القوة أكثر من مرة , هل تشعر بتلك المتعة والحماس يملأ جسدك؟؟ تخيل لو أنها المرة الأولى التي تنطق بهما وأنت حالا تعتنق الإسلام , ألا تجد نفسك تريد فعلا الكثير من الأشياء بحماس كبير ؟ لقد خلقنا الله ووضع فينا الإستمتاع كمفتاح لمعنى الحياة , ووضع بداخلنا ما يدلنا على منظومة الإستمتاع الكبرى التي تحقق لنا أقصى درجاته وأفضلها ... فاحرص على أن تستمتع بكل لحظة في حياتك ... فهذا هو مفتاحها وجوهرها ....

الخميس، 27 نوفمبر 2008

لا أريد سواه ......

كادت نظرتها تحتضنها ... وهي تتأملها تجهز نفسها للقاء اليوم....

كأي أم ... كانت تتمنى مثل هذا اليوم.... ولكنها كأي أم مكانها وجلة منه أيضا ....

- مبروك يا بنيتي ... وكل قلبي رجاء للخالق أن يتم اليوم بخير .....

- كفي قلقك يا أماه .... واتركي الأمر برمته لمشيئة الله ...

- تقلقني عادتك في إفساد الأمر كل مرة ....

- هل يجب أن نناقش هذا الآن ؟؟

- إنما قلقي هو م......

- كفيه .... وحوليه دعاء .... فما أحوجني له اليوم...

- ربك يعلم كم أدعوه .... من أجلك....

ثم تركتها ... ولم يبارحها قلقها ... ولم يهدأ ... فهي تعلم ابنتها وتعلم ما تنتوي ....

" احفظها يا إلهي .... لا ملتجأ لي سواك .. أنت وحدك تعلم كم أخاف عليها ... كم أحبها .... ولقد سامحتها ورضيت عنها ... فارض عنها من أجلي .... أنت تعلم أنها تستحق كل خير.... وليكن ما تريد فهو كل الخير .... "

لم ترد أن ترى ابنتها دمعتيها اللتين سالتا .... فغابت في حجرتها ..... وتركت لدموعها حرية الانهيار .....

***********************

أعادها صوت جرس الباب .... مسحت دموعها واطمأنت على شكلها أمام المرآة .... بينما ابنتها الصغرى تفتح الباب ....

خرجت لتستقبل الضيوف .... طالعها وجه امرأة في مثل عمرها تقريبا ... تنعكس الطيبة على ملامحها بلا قيد من خبث ....

وولدها .... شاب في مقتبل العمر .... كلماته ونظراته توحي أنه رجل يعرف ما تعنيه الكلمة ....

- أهلا وسهلا .... أنرتم البيت وزدتموه شرفا ....

- أهلا بك .... هو منار بأهله ...

- تفضلا .....

وجلسا ... وأخذت الكلمات الخجولات تتناثر بينهم .... وجرأتها تزداد بزيادة الألفة .... حتى ابتعدت الضحكات عن التكلف شيئا فشيئا ....و .....

- ها قد حضرت ....

التفت الشاب وعيناه تلمعان باللهفة .... وقلبه يخفق بقوة .... وعينا أمه بينه وبين الفتاة التي كانت تتقدم .... خطواتها تحمل الثقة والاتزان ..... وعيناها تترجماهما .....

- أهلا يا بنيتي تعال ... كيف هي أحوالك ؟؟؟

- بخير يا سيدتي ....

- كفي لسانك عن هذا السخف ... نادني بخالتي ....

نظرت أمها مبتسمة مع ابتسامة ابنتها والشاب وهي تقول :

- طبعا خالتها ... ولن تجد من هي أحن وأفضل ...

- هو فرط ذوقك من يتكلم ....

- بل هي حقيقة قلبي ينقلها لساني ....

كانت تقولها ونبرات صوتها القوية تنتهي بما يشبه تنهيدة حارة.... ولم تكن مبررة سوى لابنتها التي قالت :

- أماه .... لم أرك تتحدثين عن أحد بهذا الود من أول لقاء

- هي أجبرتني فتاتي .... هي وابنها ....

ثم نظرت لها نظرة ذات معنا واضح لكليهما .....

وعادت الكلمات تتناثر .... وهذه المرة تخلت عن خجلها وتحلت بالود والمرح .... كانت جمل الشاب تتمها الفتاة .... وأفكار الفتاة تطفو بلسان الشاب .... كان التوافق رائعا ...

حكيا كيف تقابلا صدفة .... وتعرفا صدفة .... وكيف جمعتهما أخر سنة في الجامعة وافترقا بوعد .... وعدها أنه لن يراها أو يحادثها إلا يوم يتقدم لها .... ووعدته أنها لن تفكر أو حتى تحلم بغيره .....

- ها قد وفيت بوعدي ....

- وأنا ....

صمتت ... كان ينظر لأمه مترقبا وقع كلماتها عليها ... ولكن صمتها المفاجئ جعله يحول نظره إليها مندهشا

- وأنت ماذا ؟؟؟

- هناك ما يجب أن تعرفه ....

كانت نظرات أمها المستعطفة تمزقها .... وهتاف بداخلها يدعوها للتراجع .... ماذا سيحدث لو لم يعرف ؟؟ .... لن يفرق ذلك شيئا .... وكل ما يلي يمكن تدبره ....

ولكنها أسكتت ذلك الصوت بحسم....

- هناك أمر طرأ في حياتي في الفترة السابقة .... وكان سببا في وفاة أبي .... وكنت أنا سبب ذلك الأمر ...

نظر لها متوجسا .... وأمه تترقب كلماتها بعينين متسائلتين... وأمها .... كانت نظرتها تحمل رجاء أخيرا يائسا ....

- أنا مدمنة في مرحلة التعافي ......

وطغى الصمت ...... وظل الوجوم يعلو وجهان .... والحزن يعلو الثالث .... والإصرار يمتلك الرابع .....

- أعتقد أنه من الحكمة أن نرحل الآن ..

- أماه ....

- ليس هذا قرار يا بني .... ولكن تلك المسكينة أفضت بما يفوق قدرتها ... أعطها فرصة .... وأعطنا نحن أيضا فرصة .... شكرا سيدتي على حسن ضيافتك وودك ... وشكرا فتاتي على صراحتك ..... نستودعكم الله .....

ودونما كلمة واحدة أخذت حقيبته واتجهت إلى الباب ... وتبعها ولدها وهو يشد نظراته الحيرى التي تأبى أن تبرح وجه الفتاة التي كانت تطرق بوجهها منذ نطقت بكلماتها ... ورغم ما يعلوه من إصرار .... كان يصحب ذلك الإصرار خجل .... وحزن عميق......

ولم تقو أمها على الحراك ..... لم تقو حتى على رد كلمات أمه .....

وأنغلق الباب دونهما ......


الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

العجز

العجز ....


كلمة من ثلاثة حروف ... تلخص احساسا مقيتا كئيبا حينما لاتملك ان تفعل ... لا تدري كيف تفعل ... الشعور بالعجز هو


ادراك لقصور القدرات ... المعرفة اليقينية ان احدهم يحتاجك وانت لا تملك مساعدته ...



الاثنين، 8 سبتمبر 2008

أي اتجاه ؟؟


كان يوم نزهته ... وطلب مني لعبة كان يريدها منذ فترة ... فلم أجد بدا من أن ندخل ذلك الشارع رغم زحامه ....
أخذنا نقلب عيوننا بين المحلات بحثا عن بغيتنا ... كانت عيناه تتقافز ظمأى .. وكنت أنظر اليهما أكثر من بحثي .. حتى لمحت ارتواءهما .. تلاه صيحته :
- ها هي .. ها هي يا أبي ..
- حسن جدا .. هيا لنحضرها ...
كان يتقافز جواري وأنا امسك يده .. ولم يستغرقنا الأمر كثيرا رغم ازدحام المحل الشديد ... اعطيته لعبته ... تركت يده لأخرج النقود ....
أين وضعتها ... ها هي ...
نقدت البائع وانتظرت الباقي ....
سنرحل أخيرا ....
- هيا بنا ل ....
نظرت حولي .... لم أجده .... أخذت اصرخ مناديا ... هرعت ابحث عنه ... تحول المشي إلى ما هو أقرب للركض وعيناي هما الأخريان تركضان ... تتقافزان في الوجوه الصغيرة بحثا عنه .... ولساني يصرخ مناديا عليه ... ولكن هيهات أن يسمعني في هذا الزحام ..
لم أبالي باصطدامي بالمارة وتأوهاتهم التي تليه وأحيانا سبابهم ....
حتى استوقفني أحدهم :
- انتظر قليلا ... لماذا تسرع هكذا ...؟ عم تبحث ....؟
- ابني ... ضاع مني ..
- وكيف تعتقد أنك ستجده هكذا ؟؟
- ماذا أفعل إذن ؟؟؟
- في شارع مزدحم كهذا ابحث عن بيت قريب الارتفاع ... بين ثلاثة أو أربعة طوابق .. اصعد إلى السطح ... ستجد نفسك ترى كل الشارع ..
نظرت له متعجبا مترددا ...
- هيا ... لا تضع الوقت ... ابنك ضائع ..
ثم أمسك بذراعي واقتادني لبيت قريب مفتوح المدخل ... وتركني ... استدرت لاجد الزحام قد ابتلعه ... فكرت لثوان ثم حسمت أمري .. وصعدت ...
أخذت اعتصر عيناي لأحثهما على المزيد من التمعن ... كنت أقف على السطح وامسح الشارع من أوله لاَخره .... ثم ..
- ماذا تفعل عندك يا هذا ..
التفت مفزوعا ..!
- انت لست من ساكني البيت ... كيف جئت هنا ؟ وماذا تريد ..؟
- وجدت الباب مفتوحا ... ابني ضاع مني وأردت رؤية أفضل لأبحث عنه ..
أخذ ينظر إلي وهو يزن كلماتي ... ولكن عرقي البادي وقلقي أقنعاه ....
- وهل هكذا تظنك واجده ..؟
- وماذا افعل ؟
- لابد أنه قابع في مكان ما يبكي ... من هنا لن تميز شيئا .... عد إلى الشارع .. ابحث ثانية .. ولكن بشكل منظم .. حتما ستجده ...
وجدت في كلماته بعض المنطق ... وبالفعل عدت إلى الشارع .. قررت تقسيمه والبحث بنظام ... وشرعت بالفعل في ذلك ....
كان الشارع مزدحما جدا ... مزدحما بالناس والأضواء والمتاجر ....
وتكررت تساؤلات المارة ... وتكررت إجابتي ...
- ابني .. ضاع مني ..
- كن أكثر حرصا يا أستاذ ...
- ابني .. ضاع مني ..
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. كان الله في عونك ..
- ابني .. ضاع مني ..
- ربما دخل هنا.. اسألهم ..
- ابني .. ضاع مني ..
- لم أر أي أطفال ..
هنا .. وقفت منهكا .. استندت إلى جدار ألهث .. ودمعتي إرهاق وأسى تقاوما عيناي طامعتا الخروج ...
حتى لمحت ذلك الرجل قادم من بعيد .. ميزت وجهه .. إنه بائع الألعاب الذي اشتريت منه .. وهذا في يده .. انه .. ابني ...قادم معه ... ركضت نحوهما ... احتضنت ابني وأنا أبكي ...
- أين ذهبت يا أبي ... لقد انتظرتك كثيرا ... أقلقتني ...
نظرت إليه ملئ عيناي .... وأنفجرت ضاحكا ......

الجمعة، 27 يونيو 2008

قسوة الاحساس ...

حين ينقلب الاحساس صراعا ... بين عقل يحاول ان يفكر .... وقلب يحاول ان يخفق بقوة ..... بين رؤية متعذرة .... ودموع حبيسة .....
حين تشعر بفرط الشعور ..... حين ترهق ذاتك بفرط الاحساس فتجدها غير قادرة على المزيد .....

الاثنين، 23 يونيو 2008

ماذا سأفعل .... ؟

ماذا سأفعل؟؟؟؟
كان هذا هو شكل مخيلتي... ماذا سأفعل كبيرة ... طاغية ... حائرة ....
كنت جالسا على اريكة خشبية متهالكة ... انظر الى الجدار المقابل نظرة ثابتة لا ترى ... تنازع هائل بداخلي ...
انفتح الباب ... واطل الشرطي ...
- محمد ابراهيم السيد .
اجاب احدهم:
- افندم.
- حضرة الظابط عاوزك .
- حاضر.
انقطعت افكاري لثوان .. ولكنها ما لبثت ان عادت تعصف بداخلي ... اخذت استرجع ما حدث ....
تذكرت كيف كانت بداية اليوم مشجعة ...
كان لدي ذلك الموعد الذي كنت اترقبه ربما منذ بداية الشهر مع رئيس تحرير تلك الجريدة الشهيرة , والذي بالنسبة لي كان بمثابة بداية تحقيق حلم تقت له ...
خطوت باقدام مابين واثقة و خائفة ... دخلت من الباب لأجد مديرة مكتبه تنظر لي نظرة متسائلة ... فقلت:
-أ..أنا عندي ميعاد مع الأستاذ ...
- اسم حضرتك ؟
-حسام.. حسام البدري ...
- اه .. اهلا يا استاذ حسام .. اتفضل .. دقيقتين وهتدخل للأستاذ ...
كان صوتها مميزا ... علقت نبراته فورا بذاكرتي ...
طال الوقت عن الدقيقتين بخمسة عشر ... فتنحنحت بصوت مسموع ... ثم سعلت ... ولكن ذلك كله لم يفلح ... فخاطبتها مباشرة :
- لسا ؟
خرجت مبحوحة قليلا ... فلم تسمعها
- نعم؟؟
- بقول لحضرتك يعني .. لسا الاستاذ مفضيش؟؟؟
- انا اسفة .. حضرتك قلتلي اسم حضرتك ايه؟
بصوت لا يكاد يسمع .. اجبتها ...
فقامت .. دخلت مكتب الاستاذ .. عادت بعد لحظات وقالت :
- اتفضل يا استاذ حسام .. الاستاذ مستنيك
قمت وانا اشعر بالعرق ينبت على جبيني ... وزاد الامر سوءا التكييف داخل المكتب ... فتحول عرقي الى البرودة وارتباكي اشعروني بأن تفكيري ذاته قد تجمد ...
خطوت خطوتين ... نظرت له منتظرا ان يقول لي ما يجعلني اجلس ... كان منهمكا في بعض الاوراق .. كان اكثر ما لفت انتباهي كثرة الشعر الابيض في رأسه وفخامة المكتب .... فوضعه وهو يقرأ جعل رأسه واضحة لي ... وطاقم مكتبه الذهبي او المذهب يبين بوضوح مدى فخامة المكتب ....
نظر لي من فوق نظارات القراءة وقال لي :
- اتفضل ...
فجلست ... وعاد هو لأوراقه ... وعدت انا لجلسة شبيهة بجلستي خارج المكتب .... هذه المرة لم اجرؤ على ابداء مللي ....
ظل الوضع كذلك لمدة عشر دقائق ... ثم ترك الورق والتفت الي .....
- حضرتك قلتلي اسم حضرتك ايه ؟؟؟
عندها ... تداخلت فكرتان بداخلي ... هذه المعاملة متعمدة قطعا .... فهل سأرضى بذلك ؟..
وتنازعتها فكرة ان فرصة العمر امامي .... لابد ان انتهزها ...
بين هذا وذاك .... خرج صوتي الجريح ينطق حروف اسمي التي تتساقط منها كرامتي لتتبعثر على سجاد مكتبه الفخم .....
هنا .... رن جرس الهاتف .... فنظر لي نصف نظرة واشار اشارة تعبر عن الاستئذان ....
اجاب الهاتف :
- ايوة ...
وجدته انزوى .... اخذ يهمس ... تناثرت بضع كلمات ...
- ....... دانا احرقه ...... بص انتا ت....... لا طبعا .. مترحموش .....
كلمات ... جعلت جسدي يقشعر ....
عاد ينظر الي ... كان الانفعال باد على وجهه ... نظرات عيناه ....
لم يتفوه احدنا بشىء لخمس دقائق اخرى ... ثم طرقات على الباب ... دخلت مديرة مكتبه ... تجاوزت مساحة المكتب في خطوات واسعة .... انحنت تهمس في اذنه بكلمات مختصرة .... قام على عجل وقال لي ....
- انا اسف جدا يا استاذ عصام .... بس فيه حاجة مهمة ولازم انزل حالا ......... حضرتك تقدر تستريح فالكافيتيريا .... وانا بالكتير نص ساعة وهكون مع حضرتك ...
لم تمهلني ذاتي ان اصحح الاسم .... بقايا كرامتي حجمت لساني ... لم افعل سوى ان تركت مكتبه لا انوي شيئا محددا ... ثم قررت ان انتظره .... نحن في اول النهار وهو بالتأكيد سيعود ... سأنتظر ....
جلست في الكافيتريا ومعان كثيرة تختلط في رأسي ....
عادت لمخيلتي الكلمات المتناثرة اثناء حواره فالهاتف.... حاولت ايجاد معنا ما لكلماته ... ولكنني لم اجد مشهدا واحدا في مخيلتي يضع هذه الكلمات على لسان صحفي ....
مرت ساعة كاملة .... ثم حدث ماكنت قد يأست منه ... لقد عاد ....
عاد .... والانتشاء والظفر يعمان وجهه .... راني ... دهش لثوان .... ثم عادت ابتسامة كبيرة تملأ وجهه .. وناداني ...
لا ادري لم غمرني شعور بالقلق ازاء حالته .... اشار لي ان اتبعه الى المكتب ... ففعلت ..
وجلس ... واشار لي ان افعل .... ثم هم بمخاطبتي ... حين سمعنا صياح خارج المكتب ... ميزت فيه صوت مديرة مكتبه ....
انفتح باب المكتب بعنف .....
دخل شاب .. مبعثر الثياب .. محمر الوجه ... الغضب والارهاق يتبادلان تلوين وجهه .... اخذ وجهه جل اهتمامي حتى انني لم الحظ ما كان في يده ... لم افهم لثوان لم تصرخ مديرة المكتب بذلك العنف .... لم اصدق ما ارى حين دفعها الشاب خارج المكتب ... اغلق الباب ... رفع مسدسا واطلق عدد من الطلقات على رئيس التحرير ... ارتميت على الارض ..... مديرة المكتب بصوتها المميز تصرخ .. وتصرخ ... افراد الامن يهرعون .... الفتى مازال يطلق الرصاص حتى فرغ المسدس .... انقض عليه رجال الامن .... ومازالت تصرخ .....
انتزعني من افكاري صوت الشرطي ....
- حسام حسن البدري .... حساااام حسن البدري ...
انتبهت ... اجبته ...
- افندم ...
- انتا نايم يا حضرت ولا ايه ؟؟ .. اتفضل ... حضرة الظابط عايزك ....
قمت ... ونبضات قلبي تتسارع .... والعرق ينبت على جبيني .... ورأسي يتحول الى حلبة مصارعة ....
يتصارع صوتان ... احدهما يقول ان شهادتي هي الوحيدة التي قد تبرئ ذلك الفتى.. أو تقتله ... صوت اخر يتمثل في صراخ بصوت مألوف .. مميز ... عالق في ذهني ....
ولكن شيئا واحدا طغى على مخيلتي حين خطوت داخلا ... سؤال واحد عاد ليبقى .....
ماذا سأفعل ؟؟ ....

قرار ....

توقفت الكلمات ولم تخرج .......
لم ادر حقا ما منعها ... كلمتان يخلصاني من ذلك الكابوس الذي تحملته لسنوات طوال .. وقد انتهى دوري ... فلم يعد من داع للاستمرار بلا هدف ... فقط العذاب اليومي...
لم افكر قط بشكل جدي من المخطئ.... دائما انا ادافع عن كرامتي الجريحة ... رجولتي المهدرة ..
الان فقط بلغ الامر ذروته... ولم يعد تحمل المزيد ممكنا... يكفي هذا ...
كيف ولم وبأي شكل يمكن ان يعيش زوجان لا يربطهما شئ ويجتمعان فقط على تبادل عدم الاحترام؟؟؟
اخذت استرجع الامر منذ بدايته ....
كان زواجا تقليديا كما يسمونه هذه الايام .... تعرفتها من خلال اسرتي التي (رتبت) مصادفة لنا لنتقابل ... بالتحديد امي هي من فعلت ... لم اجد ما يعيبها ولكنني ايضا لم اجد ما يميزها... كنت وقتها قد عدت حديثا من جيش استمر خمس سنوات ... شهدت حربا ... وعشت في تلك السنوات الخمسة كابوسا مجسما للمعاناة والقهر ... لذا اقتصرت فرحتي بالنصر على ساعات ... عدت بعدها لاحاول لملمة اشلاء حياتي التي بعثرتها تلك الفترة .... فاقدا معنى الحب وسط معان كثيرة فقدتها ...
خطوبة .... ايام عذبة اخذت فيها اسبر اغوار تلك الفتاة ذات التسعة عشر عاما والتي لم تعرف عن الدنيا الكثير بعد ... كانت اثارة انبهارها تعد متعتي العظمى ... فانا بالنسبة لها كيانا ضخما مهيبا رأى وخبر كل شئ ... وتم الزواج .... حمل ... انجاب ...
منذ الاشهر الاولى عرفنا اننا مختلفان ... ومع نهاية السنة الاولى ادركنا يقينا انها كانت غلطة كبرى ... ولكن هيهات ... لقد فات اوان الاصلاح ... لقد رزقنا بطفل كرباط مستحيل الكسر...
طفلة كانت للدقة ...
- ازاي بنتكو هتعيش وابوها وامها متطلقين؟ .. انتو جايين دلوقتي تقرروا القرار ده .. كان من زمان ..
- ايوة بس العيشة مابينا بقيت مستحيلة ... ازاي هنعيش على طول فخناق وخلاف؟؟؟ مش فاهمين بعض ومش هنفهم ....
- دي غلطتكم ... المهم شكلكو قدام بنتكو وقدام الناس ....
وقد كان ... لم ننفصل ... وكذلك لم نفعل حين تكرر الامر بعدها بخمس سنوات ... هذه المرة كان الرباط قد تضاعف ...
ومرت سنوات اخرى .... تكررت الذروة التي كنا نكاد فيها ننهي كل شئ دون اي اعتبارات ...
ولكن اخر لحظة كانت تغير القرار دائما ... للحق لم تكن سنوات كلها سيئة ... في اوقات متفرقة صعب تذكرها كانت تجمعنا لحظات قليلة من الانسجام ... ربما لفرط ما شعرنا بالتباعد ولضرورة عدم الانفصال .. كنا نحاول ان نجد شيئا ما ... ولكنه ابدا لم يدم ....
مرت علينا اوقات صعبة ... حين حان زواج البنت الاولى .. اقترضنا .. بعنا ... طرقنا كل باب ... وكان شجارنا وقتها يوميا تقريبا ...
- انتا كدة ... على طول رامي الحمل عليا ... على طول بتقولي اتصرفي وانتا فين؟؟؟
- انا هعمل ايه اكتر من الي بعمله؟؟؟ فلوسي كلها واديتهالك ... كل الي اقدر استلف منهم رحتلهم ... معنديش حاجة اصلا عشان ابيعها ....
- اتصرف ... المفروض انك انتا فالظروف دي الي تتصرف ... ولا المفروض انزل انا اتصرف؟؟؟
وكنا ندور في هذه الدائرة المغلقة ... حتى تزوجت .... وتكرر الامر بتفاصيله مع البنت الصغرى...
ثم حان وقت تقاعدي .... الطامة الكبرى ... الاعلان الرسمي انني صرت منتهي الصلاحية ... والاصبع الذي يلفت نظري انه حان موعد ازمة منتصف العمر .... وقد كان ....
شعور بالفراغ القاتل ... الوحدة .... مطلق الغربة .....
احساس بأنني في المنحنى الاخير ... لم يعد هناك مايفصلني عن النهاية .... صرت اراها ....
كان الجميع يضيقون بي ... كنت اشعر ذلك واضحا ... حتى في اشياء بسيطة ...
- سايبة النور ده منور من غير لازمة ليه؟؟؟ .. وترجعي تقولي فاتورة الكهربا ...
- طيب ماتطفيه ....
- مانا طفيته بس بعد كدة متسيبيهوش منور من غير لازمة ...
- والنبي انتا فايق ورايق ...
- انا غلطان ... اعملو الي انتو عاوزينو .. بس متجيش بعد كدة تشتكي ....
- هو يعني انا لما بشتكي انتا بتعمل ايه ؟؟؟
- قصدك ايه ؟؟.. معدش ليا لازمة ... قاعد بتكلم وخلاص؟؟
وتبدأ المعركة .... وتتغير شدتها على حسب حالتنا المزاجية اصلا ...
ولكن هذه المرة ... لم اتحمل كلماتها ... لم اعد استطيع .... وجدت الضغط يصل الى اقصى مداه ... وكاد الانفجار ان يحدث بكلمتين ... صعدا الى ذهني وكادا ينتقلا الى لساني ... كدت انطقها ...
-انتي طالق ..
ولكنني لم افعل ... حقا لا ادري لم؟ .. لم يعد من داع للضغط على نفسي اكثر ... لم يعد هناك مايدفعنا للاستمرار...
وكأن القرار لم يعد في مقدوري اصلا ... وكأن ارادة هذا القرار مستقلة عن ارادتي ولا تكفي رغبتي فقط لتنفيذه....
نظرت لها نظرة طويلة .... هي ذاتها لم تفهم مغزاه ... واكون كاذبا لو قلت انني انا نفسي استطيع ان اقوله .... هو مزيج بين مشاعر ومعاني كثيرة بداخلي ....
وتركتها دون كلمة واحدة ... ودخلت لأنام.....

الخميس، 19 يونيو 2008

قلب ....

كانت منحنية تستند على ركبتيها أرضا ……. تمسك بقلم صغير ككفها …. وكانت ترسم بانهماك شديد …. وشعرها الفاحم ينسدل مداريا وجهها ….
سألته :
- مين البنوتة اللي برة دي يا أحمد ؟؟
- مين؟؟ بطة ... دي بنت الست اللي بتنضف ....
أعدت النظر إليها وهي ترسم ... ثم أغلق الباب دوننا ....
دخلت .... وجلسنا نعد أنفسنا لجلسة مذاكرة طويلة ....
و بالكاد سمعت طرقاتها الدقيقة والتي تجاهلها صديقي عمدا.. فقمت أنا لأفتح ... وكنت متحمسا لرؤية تلك البلورة الصغيرة وجها لوجه ....
وانفتح الباب ..... وانتفض داخلي هلعا ... وحاولت أن أتمالك نفسي لألا أظهر لها ذلك .... فقد كان وجهها محترقا بشكل شبه كامل !!!!
انتابني شعور غريب بين إشفاق ونفور .... لم أدر هل أربت على كتفها أم أبتعد عنها ....
ولكنها وفرت علي الحيرة .... نظرت لي ثم رفعت الورقة الصغيرة في مواجهتي :
- إيه رأيك يا عمو في رسمي؟؟؟
تعجبت من جرأتها ... فهي لم ترني وأنا أدخل ولا تألفني ... ورغم ذلك تسألني عن رأيي...
لثوان ظللت واقفا أحدق في رسمتها .. ثم تبينت أنني لا أرى الرسمة وأن صاحبتها تنتظر مني ردا .. فانتبهت .. وقررت أن أتصرف بلباقة ....
- الله .... جميلة أوي يا حبيبتي ... انتي الي راسماها؟؟؟
- آه ... ( بصوت خفيض وعينين تلمعان )
- حلوة أوي ... روحي كملي رسم يلا ....
استدارت ورحلت بخطوات بين مشي وقفز ... لتقابل أم صديقي في الصالة وتعرض عليها الرسمة كما فعلت معي ..
- إيه رأيك يا أبلة في الرسمة دي؟؟؟
- جميلة أوي يا بط .....
أغلقت الباب دونهما فلم يصلني باقي الحديث ....
- هي أيه الي عمل فيها كدة يا أحمد؟؟
نظر لي بعينان متسائلتان .. فأجبتهما ..
- البنت الصغيرة دي ... بطة
- ااااه ... وشها يعني؟ .. الحكاية أن أبوها وأمها كانوا سايبنها نايمة في البيت لوحدها في يوم ... ومحدش خد باله من ريحة الغاز .... ساعت مارجعوا .... لسة أبوها بيولع سيجارة ... الدنيا ولعت... هو وأمها محصلهمش حاجة إنما هي حصلها كدة ... بيحكولي ان الوجع عملها صدمة خليتها يغمى عليها... ولما فاقت سالتهم " فين وشي ؟ " ملاقوش اجابة غير " ربنا خده علشان يحافظلك عليه لحد ماتكبري " ... بس ومن يوميها وهي مستنية وشها يرجع...
كنت لحظتها أحدق في وجهه والذهول يعتصر خلايا وجهي ليظهر نفسه .... والأفكار والمشاعر تتقافز داخلي .....
أخذت أقلب تلك القصة في رأسي ... وأحاول عبثا أن أتخيل مشاعر فتاة في ذلك السن تمر بذلك الموقف .....
أخذت من تفكيري معظمه .... وأبى عقلي التخلي عنها والتركيز .... وكأنها سمعت نداء عقلي ... سمعت حفيف اصطدام أناملها الدقيقة بالباب ..... ففتحت ....
- عمو ... ممكن تبريلي القلم ؟؟
- حاضر يا بطة ... تعالي ...
وجلست وأجلستها على فخذي .... وبريت لها القلم ... وأخذت ألاعبها قليلا ... وكأنما أعوضها عن لحظات النفور التي حانت مني نحوها حين رأيتها ... رغم أنها لم تشعر بذلك ...
- سيبي عمو وتعالي يا بطة ... عمو مش فاضي..
- باي يا عمو ... شكرا على القلم ....
- العفو يا حبيبتي .... باي ....
وانقضى الوقت ....
- ولا عملنا حاجة النهاردة علشان حضرتك سرحان..
قالها أحمد ...
- يا عم هعوضهالك إن شاء الله المهم يلا بقى علشان أمشي ....
خرج... ثم عاد بعد لحظات ليصطحبني للخارج ... وفي طريقي لمحتها ...
منحنية تستند بركبتيها على الأرض .... تمسك القلم الصغير ككفها ... منهمكة في الرسم....
ولمحت إلى جوارها تلك الرسمة التي لم ألحظها رغم أنني أبديت إعجابي بها ... ولأول مرة عرفت ما هي ...
كانت قلب كبير سعيد ........

الأربعاء، 18 يونيو 2008

خيط الحياة ...

كانوا يتكالبون عليها .... يضربونها .... يشدونها .... يدفعونها ....
نظرت إلي والدمع يملأ مقلتيها الصغيرتين .... ونظرتها البريئة الصافية الصارخة المستغيثة الحزينة كادت تعصف بي .... وماذا أملك أنا يا صغيرتي .... هم كثر وأنا ضعييف .....
عادت تنظر لي ... وتصرخ ... وهم يضربونها .... وأنا اشيح بوجهي ....
إنقبض قلبي .... وسالت دمعتان مقهورتان على وجهي .... ورفعت رأسي المتدلي أعيد النظر لهم .... لم تعد تصرخ .... فقدت حتى تلك القدرة .... صارت تتلقى الضربات في صمت .... لا يصدر منها سوى التأوهات اللا إرادية .....
سال الدم مع الدمع .... واختلط الألم بالحزن بالقهر .... فلم يعد ثمة داع للصراخ .... لقد قُتل الأمل وماتت الرغبة في المقاومة ... إنعدمت البراءة فلم يعد هناك ما يُدفع عنه الأذى ....
وهم مستمرون ....
وأنا واقف لا أملك الحراك ....
وتأوهاتها تخترق أذناي كالمسامير الحادة لتستقر في رأسي ....
أخذ جفناها يتراخيان .... والخيط الصغير الذي يفصلها عن الحياة كاد ينقطع ......
هنا انتفضت ..... فما من داع للحياة دونها .... ماذا يكبلني ومم أخاف؟؟؟
أخرجت أقوى ما بداخلي من صراخ .... وأخذت أجري نحوهم .... وتراخي أجفانها يتزايد .... رفعت يدها بصعوبة بالغة .... ورغم كل تأوهاتها أخذت تلوح بكفها الصغير الملوث بدمائها .... وابتسامة مقتولة ترتسم على شفتيها الدقيقتان .... ووجهها ينصبغ بالأسى .....
وأنا أجري .... وألهث .... وأصرخ ......
وحينما تهاوى جفناها ....
حينما انقطع الخيط ........ تهاويت بدوري ..... سقطت ..... همدت حركتي .... و.. أظلمت الدنيا ...
....................................
..........................
..................
استيقظت مفزوعا وأنا لا أدري معنا لذلك الحلم البشع .... قمت وأنا في أسوأ حالة مزاجية ممكنة .... غسلت وجهي بماء بارد ... وأخذت أنظر له في مراة الحمام ....
أخذت أتأمل لحيتي النامية والهالات تحت عيناي .... تأملت عيناي .... استغرقني الأمر قليلا حتى أعود لرشدي ... والغريب أنني وجدت أنني استغرقت خمس دقائق كاملة أقف هكذا ....
وعادت مشاهد ضبابية متقطعة من الحلم تتمثل أمامي .... فكان قلبي ينقبض ألما .... فأكثر ما علق بذهني هو وجه تلك الفتاة الصغيرة .... وجه دقيق رقيق برئ ..... لم يكن واضح التفاصيل ولكنه كان يقطر بتلك المعاني ... الرقة .... البراءة ....
نظرت للساعة ... إنها الحادية عشر ... لابد أن أرتدي ملابسي فورا .... هرعت أبحث عن قميص ... أكويه .... أرتديه واهرع خارجا ... لأكتشف أنني حافيا .... أرتديت الحذاء وجريت لألحق بموعد عملي الذي تأخرت عليه كثيرا .....
.............................................
..................................
.................
كان يوما طويلا .... وأنعدم مني التركيز طوال الوقت ... لم استطع أن ابعد ذلك الحلم من رأسي .... كان ذلك الوجه الملائكي يصحب مخيلتي أينما ذهبت .... وكان من الحمق أن أحاول حتى التظاهر بالتركيز .... لذا إعتذرت عن باقي اليوم ورحلت ....
فكرت في صديق لي ... طبيب نفسي .... ليس الأمر أنني أشك في شئ ولكنني أردت أن أعرف لم يسيطر هذا الحلم على تفكيري إلى ذلك الحد ....
ولكنه لم يقدم جديدا .....
- الحلم هو تفريغ لاشعوري للإنفعالات والمخاوف التي بداخلك ....
- أكنت أحتاج طبيبا لأعرف ذلك؟ أين جديدك؟؟
- كل ما أقصده أن الأمر يقبع بداخلك .... تفسيره لديك أنت .... وأنا رأيي الشخصي أن المرء هو أول طبيب نفسي لذاته ... كن صديقا لنفسك قليلا ... ستجد ما تبحث عنه ...
إلا أن كلماته لم تكن عديمة الفائدة تماما .... أنا بالفعل أحتاج أن أتأمل ذاتي قليلا .....
كان الوقت مبكرا .... لذا قررت أن أذهب لمكان هادئ .... مكان أستطيع فيه أن أفكر بصفاء...
وقد كان ... ذهبت الى ذات المكان الذي طالما أحببت المكوث فيه في صغري .... كان ذلك منذ ... حتى أني نسيت منذ متى !!!
أهم ما كان يميزه هو صفحة المياه الصافية .... وشجرة كبيرة وارفة قريبة من الماء ... كنت أجلس تحت تلك الشجرة بالساعات .... أيامها كنت حقا صديقا لذاتي ....
ولكنني حين عدت هذه المرة .... وجدت أن الماء الصافي إمتلأ بكل ما من شأنه أن يعكر صفوه .... والشجرة طالتها أيدي العابثين ... فشوهت جذعها وأقتلعت فروعها وأوراقها ... فصارت جذعا يابسا جافا .....
وقفت أتأمل ماأصاب المكان ... وهالني ذلك حتى أن عيناي كادت تدمعان .... ولا أدري سببا واضحا منعهما سوى أنني فقدت القدرة على البكاء منذ فترة طويلة ......
عادت قدماي تسيران دونما هدا .... وعادت صورة تلك الفتاة في الحلم تمثل أمامي .... وقد لوث وجهها الدم وأختفت من عينيها الحياة ...... وعادت عيناي تترقرقان دون قدرة حقيقية على ذرف الدموع .....

راودني إحساس قوي أنني السبب ... انا السبب في تلك الحالة التي وصل إليها ذلك المكان كما كنت السبب فيما حدث للطفلة في ذلك الحلم .... وكان ذلك الاحساس يقتلني قتلا ....
وكأنها كانت إشارة .... وكان على إثرها القرار .....
عدت إلى ذلك المكان واخذت اسأل ...
- لم وصل إلى هذا الحال تظنون؟؟
- إنه الإهمال ...
- إنها الحكومة...
- لم يعد الحال كما كان يا بني...
- إنه ....
قاطعتهم ....
- إنه نحن .... هذا ليس مكان أحد اخر ... هو مكاننا نحن ... فلا مسئول عما ال إليه سوانا ... ولن يصلحه أيضا سوانا ...
- نصلحه !!! هيهات يا أخ ... إنهم لا يريدون إصلاحا ...
- كان غيرك أشطر ...
- كن واقعيا ... إن له سنوات طوال يفسدونه ... كيف لنا أن نصلحه....
- إننا نريد أن نعيش فقط ...
تأملتهم في صمت .... وفي صمت أيضا ذهبت أقف هناك... أجمع القمامة ... اروي الشجرة ... أبحث عما يمكن إصلاحه ... كنت أريد أحدهم فقط أن ينضم لي ... ولكنهم ظلوا يتأملونني ما بين ساخر ومتحسر ... وكلهم يجمعهم اليأس ...ولكنني ظللت امل .... ومازلت .....

رعشة ....

ليت جسده يكف عن الارتعاش ... فهذا لا يحسن من حالة ابناءه الملتصقين به ...
لماذا تأبى تلك الرعشة ان تتركه ؟؟ ... هل هو الخوف ؟؟؟ .. ومم يخاف ؟؟ ... موته ام موت ابناءه ؟؟
أوليس الموت أرحم من ذلك العذاب المستمر الذي لا ينقطع؟؟؟ ...
وجد عقله يسبح رغما عنه ليخترق امواج الزمن سابحا عكس التيار ... ليصل الى ذلك اليوم .. حين كان وزوجته يتشاجران ...
- تفتكري يعني هتخافي على مصلحتهم اكتر مني؟؟؟
- أنا أمهم وليا حق فيهم زيك بالظبط ... ويمكن اكتر حبة..
- مش المفروض حد فينا ياخد القرار ده لوحده ... ده مستقبلهم ...
- أنا مصرة إنهم يروحوا مدرسة خاصة ...
- وانا معييش فلوس لده ... وبعدين ما كلنا اتعلمنا فمدارس حكومي ....
ويستمر الصراخ المتبادل ... يقطعه ظهور الصبي .. ولدهما ... ينظر لهما بنظرة هي مزيج من الخوف والحزن ... ذات النظرة التي هي في عينيه الان ... وكأنما شجار والديه يمثل له كارثة .. تماما كالتي هم فيها الان ...
لم يسلم ايضا من الرعشة ... لا يدري هل نقلها لأبيه أم هو أخذها منه ... كان عقله الصغير يأبى التفكير فيما هم فيه ... يأبى تصديقه ...
علا صوت تحطم من ناحية السقف .. فأختلط صراخ ثلاثتهم لثوان .. ثم هدأ حين لم يحدث شئ .. فقط ظل صراخ الطفلة لثانيتين بعد ... وظل صداه في رؤسهم لدقائق ... تماما كما حدث ذلك اليوم الذي كسرت فيه قدمها ... اخذت ذكريات تلك الايام تشغل عقلها .. تحاول ان تلهيه عما هم فيه ...
كيف زارها كل زميلاتها في الفصل ... وكيف كن يكتبن على جبيرتها عبارات مازالت تذكر بعضها ..
" إلى أختي حبيبتي سوسن .. يا رب ربنا يشفيكي "
يومها ضحكت امها كثيرا لصيغة الدعاء ... وقبلت كاتبته واعطتها قطعة حلوى كما وزعت على بقية زميلاتها ...
يومها .. حين تظاهرت انها نائمة .. تحدث والديها وهما مطمئنان لنومها ...
- تعرفي... البنوتة دي جت نعمة من عند ربنا ... انا بحلم ليل ونهار بيوم جوازها ...
- هاهاهاهاها من دلوقتي ؟؟ طيب قول تخش الجامعة حتى ...
- لأ جوازها .... مش هطمن عليها غير اليوم ده...
مازالت تذكر كيف لمحت نظرة عيناه من تحت اهدابها ... حيث تسللت عيناها من فتحة لا توحي ابدا بأنها مفتوحة ... لترى تلك النظرة ... نظرة حب غامر .... كالتي يغمرها بها الان .... يفكر حزينا كيف انه أبدا لن يرى ذلك اليوم ... يتمنى لو لم تحدث تلك الرعشة .... ويستمر عقله في السباحة ... والتيار يعيده الى بداية ذلك اليوم ...
- بابا ... هي الأرض بتتهز كدة ليه ؟؟
- بتترعش يا بنوتة ... زيك كدة لما تكوني سقعانة شوية ...
كان يطمئنها ويطمئن نفسه ... هزة خفيفة لا أكثر وسيذهب كل شئ لحاله .... لم يعرف كم كان الأمر جادا إلا والغبار يتساقط من بين الجدران ... والشرفة تسقط بكاملها وفيها زوجته ... والجدران تبدأ في الإنهيار ... فهرع يحتضن ولديه ... وكأنما بجسده الضعيف فقط يحميهما ....
حاول أن يخمن كم مر عليهم في هذا الحال ... لم يستطع ... ولكنه وقت كاف ليفقد الأمل في أي إنقاذ ...
وها قد أتى السقف بصوت تصدع اخر ليبعد الأمل أكثر ...
نظر إلى أطفاله ... إختلطت دموع ثلاثتهم ... السقف يصيح منذرا ... صوت البكاء يتعالى كأنما هو تشبث أخير لغريق بقطعة خشب واهية ....
- غمضوا عنيكوا ... وأدعوا ....
وفعل كما قال .... أغمض عيناه ... ودعا ....
- يا رب إرحمنا ... إرحمنا ... إرحمنا ...
علا صوته الباكي ... واختلط بصوت اطفاله الذين يرددون خلفه .... ثم غلب صوت السقف كل صوت .... وغطى إنهياره المشهد ....



تعتنق الأزهار رقتها مذهبا , وتباهى جميلاتهن بأنهن مثلها ... يخشى القمر قلة ناظريه لو
لاحت هي إذ تقاسمه عيناها اهتمامهم وتفوق...
ماذا أرى سواها في عزلتي .... تجرني ذكراها لبحور الكلام الذي يدمى حنيني فيوجعه ولا
يقتله ...
هل فارقتني لنلتقي يوما لا نحسبه لقيانا أم هي فرقة إلى غير مأربي ...

أصغي إلى نفسي .......

(2)
اختطف نظري ما ان رأيته .... طليق حر بغير قيود ... يطير مستقيما... دائرا ... للامام ... للخلف ...
حط على غصن ... اخذ يتحرك يمنة ويسرة بسرعة .... مالبث ان طار مرة اخرى ... غاب في الافق لتلحق افكاري به ... ولكن قيودا ما منعتها ان تواصل ... لطالما احببت ذلك الشعور ... شعور الطائر الطليق الذي لا يقيده شئ ... ولطالما احبطني انه هناك دائما قيد يحول بيني وبين هذا ...
شعوري بان دربي دائما تحوطه الظروف لترسمه لي ... وان اختياراتي دائما محدودة بين قيد او اخر...
مجتمع يفرض شكل الحياة فرضا ... ولم ؟ ...
لقد قررت يوما ان ارسم درب حياتي بنفسي ... ان احطم قيود حياتي ... الا ان ذلك القرار حين كان يصطدم بواقع ملئ بالعقبات والقيود كان يتراجع الى مخزن القرارات مؤجلة التنفيذ .... كان ذلك حتى فطنت ان وقتا يمر بلا طائل يعني اقترابي من دوامة حياة اسير فيها والهم يملأ عيناي ....
اخذت اتأمل حياتي لاحصل على جواب ... على حل ما ...
" هو انتا يعني هتصلح الكون؟؟ " الجملة التقليدية التي ترمي بالمرء في شعور قاتل بالعجز ... ولكنني قاومت هذه المرة ... وقلت نعم ... سأغير الكون ....
تأملت الجملة ... سأغير الكون ... وما هو الكون ؟؟ ... ولم قد يحتاج للتغيير؟؟ .. على العكس .. فالكون يسير وفقا لمقاييس دقيقة لا قبل لنا حتى بمجاراتها ... وانما نحن نعاند الكون ... نخالف تلك المقاييس ... ليس علي اذن ان اغير الكون ... بل علينا جميعا ان نغير من انفسنا لنتماشى مع الكون...
لقد ضاقت دائرة التغيير ... ليس علي ان اغير الكون ... بل علي ان اقنع من يعيشون في هذا الكون بضرورة تغيير انفسهم ...
قطع افكاري رجوع ذلك الطائر الصغير ... وفي فمه طعام ما ... حط على غصن تلك الشجرة على عشه القشي الصغير ... واخذ يطعم صغاره ... فتابعته عيناي وافكاري تبحر بشراع الحماس ... تملكتني رغبة التغيير لدرجة انني اخذت ابحث عن الطريقة التي اصل بها لاكبر عدد ممكن ... لاريهم ما ارى ... لاقنعهم بما اقتنعت به ...
فكرت في اسرتي ... ابي ... امي .. اخوتي ... و ...... انا ....
انا ... انا من لابد ان اغير اولا ....

أصغي إلى نفسي .....

أصغي إلى نفسي ......

هي رسالة متجددة لكل من يرى في حياته الفراغ محتل...

والأمل ضيف طال إنتظاره ....

والعجز صاحب السطوة .... فيوم ما .... كنت أحدهم .....

(1)
حين رأيت تلك النظرة ... تدافعت مشاعر مختلطة بداخلي ... تداخلت الافكار .. ووجدت نفسي مأخوذا مضطربا ...
كان صباح يوم ما ... شمس لم تقو على الايذاء بعد ... أشخاص متناثرين كل في طريقه .. تتقاطع الطرق احيانا ... وحين تقاطع طريقانا ... رأيته .. رأيت وجهه .. عيناه .. رأيت تلك النظرة ...
كان الهم يملؤها.. هم انسكب بداخلي ما ان بلغتني النظرة ... فاندفعت مشاعري مختلطة .. بين شجن عميق .. وحيرة بالغة ... فلو ان المرء يستيقظ وكل ذلك الهم يملؤه ... هو اذن يعيش به ...
تداخلت الافكار بداخلي .. واختلطت المعاني .. ووجدت اسئلة تقفز في رأسي .... ولكن كلمة واحدة لخصت كل اسئلتي :
لم ؟؟
ومر امام عيناي شريط عالم ما بين ذكريات ما مضى وتصورات ما سيأتي ..
وكان ما دفعني لذلك فكرة :
اذا كان هو يحمل كل ذلك الهم ..فهل سأفعل حين ابلغ مكانه ؟؟
ومن هنا انطلقت ذكرياتي .. وتواصلت لتجسد مستقبلا ات ... صورته لي مخيلتي ...
سنين الكلية التي اعيشها لن تلبث ان تنتهي ... حينها ستبدأ حياتي عمليا ... فهل انا مستعد؟؟
سيؤرقني لفترة كابوس الخدمة العسكرية ... التي لن اتوانى عن شطبها شطبا من حياتي ما ان تنتهي ...
بعدها ... يبدأ صراعي .. فما بين ضغوط بحث عن عمل قليل اصلا .. وزمن يعدو لينقص من سنين عمري .. او يزيدها .. وأهل لا يطيقون صبرا ليتموا رسالتهم ... تحت وطئ كل ذلك .. اتنازل عن طموحاتي شيئا فشيئا .. فتنازل هي الاخرى عني ...
ثم تلقيني الحياة في بحر اسمه الارتباط .. فترتبط حياتي بحياة فتاة تدور معي في دوامة حياتي .. فضغوط حياتي التي تسير اماما بلا توقف سأواجهها معها وانا لا اكاد اعرف عنها شيئا .. فلا عملي لثماني او ربما اثنى عشر ساعة يوميا ولا انهماكنا في تحضير لوازم زفاف وما بعده سيمهلانا الفرصة .... وبعد الزفاف .. لن يستمر كيان الاثنين كثيرا فسيصبح ثلاثا .. وربما اكثر .. هنا تستمر الحياة رغما عن من يحياها .. فرغم غربة المرء في بيته عن اهله لابد الا يخرب ذلك البيت ...
ويزداد عنف الدوامة .. ضغوط ومسئوليات هي كدوامة تدور مسرعة فلا تمنحك الفرصة الا لمحاولات النجاة .. وفي ذات الوقت تشدك دائما لاسفل ..فمرور الوقت يعني اقترابك من القاع ..
فأنت تحيا فقط لترى اليوم التالي .. يتقلص المستقبل من سنين .. لايام .. لفقط النجاة ليوم اخر ..
اين هي حياتك ؟.. اين ذلك الكيان الذي كنت تحلم به.. ؟؟
حين وصلت لتلك النقطة .. توقفت .. وصرخت :
لا ... لا اريد ان احيا بلا حياة ...
فعاد ينظر لي .. وملأت وجهه وعيناه ابتسامة ساخرة .. قتلها الهم في ثوان .. وعاد ليطغى ..
وعدت لنفسي ..
هي حياتي .. ولن اتركها تضيع .. لن اتركها تتحول للا شئ ..
هنا توقفت مرة اخرى ... وجدت انني لا ادري ..
كيف هي الحياة التي اريدها لنفسي ؟...