الخميس، 19 يونيو 2008

قلب ....

كانت منحنية تستند على ركبتيها أرضا ……. تمسك بقلم صغير ككفها …. وكانت ترسم بانهماك شديد …. وشعرها الفاحم ينسدل مداريا وجهها ….
سألته :
- مين البنوتة اللي برة دي يا أحمد ؟؟
- مين؟؟ بطة ... دي بنت الست اللي بتنضف ....
أعدت النظر إليها وهي ترسم ... ثم أغلق الباب دوننا ....
دخلت .... وجلسنا نعد أنفسنا لجلسة مذاكرة طويلة ....
و بالكاد سمعت طرقاتها الدقيقة والتي تجاهلها صديقي عمدا.. فقمت أنا لأفتح ... وكنت متحمسا لرؤية تلك البلورة الصغيرة وجها لوجه ....
وانفتح الباب ..... وانتفض داخلي هلعا ... وحاولت أن أتمالك نفسي لألا أظهر لها ذلك .... فقد كان وجهها محترقا بشكل شبه كامل !!!!
انتابني شعور غريب بين إشفاق ونفور .... لم أدر هل أربت على كتفها أم أبتعد عنها ....
ولكنها وفرت علي الحيرة .... نظرت لي ثم رفعت الورقة الصغيرة في مواجهتي :
- إيه رأيك يا عمو في رسمي؟؟؟
تعجبت من جرأتها ... فهي لم ترني وأنا أدخل ولا تألفني ... ورغم ذلك تسألني عن رأيي...
لثوان ظللت واقفا أحدق في رسمتها .. ثم تبينت أنني لا أرى الرسمة وأن صاحبتها تنتظر مني ردا .. فانتبهت .. وقررت أن أتصرف بلباقة ....
- الله .... جميلة أوي يا حبيبتي ... انتي الي راسماها؟؟؟
- آه ... ( بصوت خفيض وعينين تلمعان )
- حلوة أوي ... روحي كملي رسم يلا ....
استدارت ورحلت بخطوات بين مشي وقفز ... لتقابل أم صديقي في الصالة وتعرض عليها الرسمة كما فعلت معي ..
- إيه رأيك يا أبلة في الرسمة دي؟؟؟
- جميلة أوي يا بط .....
أغلقت الباب دونهما فلم يصلني باقي الحديث ....
- هي أيه الي عمل فيها كدة يا أحمد؟؟
نظر لي بعينان متسائلتان .. فأجبتهما ..
- البنت الصغيرة دي ... بطة
- ااااه ... وشها يعني؟ .. الحكاية أن أبوها وأمها كانوا سايبنها نايمة في البيت لوحدها في يوم ... ومحدش خد باله من ريحة الغاز .... ساعت مارجعوا .... لسة أبوها بيولع سيجارة ... الدنيا ولعت... هو وأمها محصلهمش حاجة إنما هي حصلها كدة ... بيحكولي ان الوجع عملها صدمة خليتها يغمى عليها... ولما فاقت سالتهم " فين وشي ؟ " ملاقوش اجابة غير " ربنا خده علشان يحافظلك عليه لحد ماتكبري " ... بس ومن يوميها وهي مستنية وشها يرجع...
كنت لحظتها أحدق في وجهه والذهول يعتصر خلايا وجهي ليظهر نفسه .... والأفكار والمشاعر تتقافز داخلي .....
أخذت أقلب تلك القصة في رأسي ... وأحاول عبثا أن أتخيل مشاعر فتاة في ذلك السن تمر بذلك الموقف .....
أخذت من تفكيري معظمه .... وأبى عقلي التخلي عنها والتركيز .... وكأنها سمعت نداء عقلي ... سمعت حفيف اصطدام أناملها الدقيقة بالباب ..... ففتحت ....
- عمو ... ممكن تبريلي القلم ؟؟
- حاضر يا بطة ... تعالي ...
وجلست وأجلستها على فخذي .... وبريت لها القلم ... وأخذت ألاعبها قليلا ... وكأنما أعوضها عن لحظات النفور التي حانت مني نحوها حين رأيتها ... رغم أنها لم تشعر بذلك ...
- سيبي عمو وتعالي يا بطة ... عمو مش فاضي..
- باي يا عمو ... شكرا على القلم ....
- العفو يا حبيبتي .... باي ....
وانقضى الوقت ....
- ولا عملنا حاجة النهاردة علشان حضرتك سرحان..
قالها أحمد ...
- يا عم هعوضهالك إن شاء الله المهم يلا بقى علشان أمشي ....
خرج... ثم عاد بعد لحظات ليصطحبني للخارج ... وفي طريقي لمحتها ...
منحنية تستند بركبتيها على الأرض .... تمسك القلم الصغير ككفها ... منهمكة في الرسم....
ولمحت إلى جوارها تلك الرسمة التي لم ألحظها رغم أنني أبديت إعجابي بها ... ولأول مرة عرفت ما هي ...
كانت قلب كبير سعيد ........

هناك تعليق واحد:

أحمد منتصر يقول...

يعلن حزب الجبهة عن عمل جلسة أدبية لعرض الأعمال الشخصية ومناقشة آخر المستجدات الثقافية بمقر حزب الجبهة بطنطا. عمارة الأوقاف الدور الثالث شارع المدارس بجوار المحطة بداية من الأسبوع المقبل.