الأربعاء، 18 يونيو 2008

رعشة ....

ليت جسده يكف عن الارتعاش ... فهذا لا يحسن من حالة ابناءه الملتصقين به ...
لماذا تأبى تلك الرعشة ان تتركه ؟؟ ... هل هو الخوف ؟؟؟ .. ومم يخاف ؟؟ ... موته ام موت ابناءه ؟؟
أوليس الموت أرحم من ذلك العذاب المستمر الذي لا ينقطع؟؟؟ ...
وجد عقله يسبح رغما عنه ليخترق امواج الزمن سابحا عكس التيار ... ليصل الى ذلك اليوم .. حين كان وزوجته يتشاجران ...
- تفتكري يعني هتخافي على مصلحتهم اكتر مني؟؟؟
- أنا أمهم وليا حق فيهم زيك بالظبط ... ويمكن اكتر حبة..
- مش المفروض حد فينا ياخد القرار ده لوحده ... ده مستقبلهم ...
- أنا مصرة إنهم يروحوا مدرسة خاصة ...
- وانا معييش فلوس لده ... وبعدين ما كلنا اتعلمنا فمدارس حكومي ....
ويستمر الصراخ المتبادل ... يقطعه ظهور الصبي .. ولدهما ... ينظر لهما بنظرة هي مزيج من الخوف والحزن ... ذات النظرة التي هي في عينيه الان ... وكأنما شجار والديه يمثل له كارثة .. تماما كالتي هم فيها الان ...
لم يسلم ايضا من الرعشة ... لا يدري هل نقلها لأبيه أم هو أخذها منه ... كان عقله الصغير يأبى التفكير فيما هم فيه ... يأبى تصديقه ...
علا صوت تحطم من ناحية السقف .. فأختلط صراخ ثلاثتهم لثوان .. ثم هدأ حين لم يحدث شئ .. فقط ظل صراخ الطفلة لثانيتين بعد ... وظل صداه في رؤسهم لدقائق ... تماما كما حدث ذلك اليوم الذي كسرت فيه قدمها ... اخذت ذكريات تلك الايام تشغل عقلها .. تحاول ان تلهيه عما هم فيه ...
كيف زارها كل زميلاتها في الفصل ... وكيف كن يكتبن على جبيرتها عبارات مازالت تذكر بعضها ..
" إلى أختي حبيبتي سوسن .. يا رب ربنا يشفيكي "
يومها ضحكت امها كثيرا لصيغة الدعاء ... وقبلت كاتبته واعطتها قطعة حلوى كما وزعت على بقية زميلاتها ...
يومها .. حين تظاهرت انها نائمة .. تحدث والديها وهما مطمئنان لنومها ...
- تعرفي... البنوتة دي جت نعمة من عند ربنا ... انا بحلم ليل ونهار بيوم جوازها ...
- هاهاهاهاها من دلوقتي ؟؟ طيب قول تخش الجامعة حتى ...
- لأ جوازها .... مش هطمن عليها غير اليوم ده...
مازالت تذكر كيف لمحت نظرة عيناه من تحت اهدابها ... حيث تسللت عيناها من فتحة لا توحي ابدا بأنها مفتوحة ... لترى تلك النظرة ... نظرة حب غامر .... كالتي يغمرها بها الان .... يفكر حزينا كيف انه أبدا لن يرى ذلك اليوم ... يتمنى لو لم تحدث تلك الرعشة .... ويستمر عقله في السباحة ... والتيار يعيده الى بداية ذلك اليوم ...
- بابا ... هي الأرض بتتهز كدة ليه ؟؟
- بتترعش يا بنوتة ... زيك كدة لما تكوني سقعانة شوية ...
كان يطمئنها ويطمئن نفسه ... هزة خفيفة لا أكثر وسيذهب كل شئ لحاله .... لم يعرف كم كان الأمر جادا إلا والغبار يتساقط من بين الجدران ... والشرفة تسقط بكاملها وفيها زوجته ... والجدران تبدأ في الإنهيار ... فهرع يحتضن ولديه ... وكأنما بجسده الضعيف فقط يحميهما ....
حاول أن يخمن كم مر عليهم في هذا الحال ... لم يستطع ... ولكنه وقت كاف ليفقد الأمل في أي إنقاذ ...
وها قد أتى السقف بصوت تصدع اخر ليبعد الأمل أكثر ...
نظر إلى أطفاله ... إختلطت دموع ثلاثتهم ... السقف يصيح منذرا ... صوت البكاء يتعالى كأنما هو تشبث أخير لغريق بقطعة خشب واهية ....
- غمضوا عنيكوا ... وأدعوا ....
وفعل كما قال .... أغمض عيناه ... ودعا ....
- يا رب إرحمنا ... إرحمنا ... إرحمنا ...
علا صوته الباكي ... واختلط بصوت اطفاله الذين يرددون خلفه .... ثم غلب صوت السقف كل صوت .... وغطى إنهياره المشهد ....

هناك 4 تعليقات:

Sumaya Rabie يقول...

اهي الرعشة اللي انت بتتكلم عليها ديه انتقلت ليا أنا كمان
بحب الحاجات اللي من النوع ده ... اللي بتقش في لحظة من الحظات الحرجة لانسان ممكن ما نكونشي فكرنا فيها قبل كده
الشباب اللي غرقوا في ايطاليا بيفكروا في ايه قبل ما يموتوا .. الناس اللي بيتهم بيقع بيهم ... الراجل اللي رايح يقدم لوظيفة هي كل أمله وعربية تخبطه ... اللحظات الحرجة ديه
أثرت فيا أوي ممتازة

vepoo يقول...

معرفش افرح ولا اتأسف أني سببتلك ( رعشة ) .....
افرح علشان اثرت فيكي للدرجادي ولا اعتذر لنفس السبب .....
بس الاكيد ان تعليقك فرحني جدا .....

tota veta يقول...

صعب قوي علي أي شخص أنه يقوم بوصف ومعايشة مشهد زي ده .
مشهد "الشلل الفكري",أصل الأنسان طول ماهو بره موقف مصيري زي ده بيبقي حاسس أنه يقدر يحله وبيجي في دماغه الف فكره وفكره.
مع أننا بنتعرض للموقف ده كتير "موقف الشلل في التفكير"يمكن بشكل أبسط,لكن محدش بيحس بالمواقف دي غير اللي بيعشها.
لكن نقول أيه بقي موهبه!!!
المهم أن الواحد مبيتمناش غير حاجة واحده,أنه لو أتعرض لموقف مماثل أومشابه وأنعدم قدرته علي التفكير والحيل,أنه ميفتكرش غير بس أنه يقول يارب..لا مش بس يقول ويحسها ويدركها
قول ياااااااارب...

vepoo يقول...

ياا رب ...
يا رب تفضل تعليقاتك منورة المدونة ..
يا رب رؤيتك الجميلة دي تفضل مجملة كلامي ...