الأربعاء، 18 يونيو 2008

خيط الحياة ...

كانوا يتكالبون عليها .... يضربونها .... يشدونها .... يدفعونها ....
نظرت إلي والدمع يملأ مقلتيها الصغيرتين .... ونظرتها البريئة الصافية الصارخة المستغيثة الحزينة كادت تعصف بي .... وماذا أملك أنا يا صغيرتي .... هم كثر وأنا ضعييف .....
عادت تنظر لي ... وتصرخ ... وهم يضربونها .... وأنا اشيح بوجهي ....
إنقبض قلبي .... وسالت دمعتان مقهورتان على وجهي .... ورفعت رأسي المتدلي أعيد النظر لهم .... لم تعد تصرخ .... فقدت حتى تلك القدرة .... صارت تتلقى الضربات في صمت .... لا يصدر منها سوى التأوهات اللا إرادية .....
سال الدم مع الدمع .... واختلط الألم بالحزن بالقهر .... فلم يعد ثمة داع للصراخ .... لقد قُتل الأمل وماتت الرغبة في المقاومة ... إنعدمت البراءة فلم يعد هناك ما يُدفع عنه الأذى ....
وهم مستمرون ....
وأنا واقف لا أملك الحراك ....
وتأوهاتها تخترق أذناي كالمسامير الحادة لتستقر في رأسي ....
أخذ جفناها يتراخيان .... والخيط الصغير الذي يفصلها عن الحياة كاد ينقطع ......
هنا انتفضت ..... فما من داع للحياة دونها .... ماذا يكبلني ومم أخاف؟؟؟
أخرجت أقوى ما بداخلي من صراخ .... وأخذت أجري نحوهم .... وتراخي أجفانها يتزايد .... رفعت يدها بصعوبة بالغة .... ورغم كل تأوهاتها أخذت تلوح بكفها الصغير الملوث بدمائها .... وابتسامة مقتولة ترتسم على شفتيها الدقيقتان .... ووجهها ينصبغ بالأسى .....
وأنا أجري .... وألهث .... وأصرخ ......
وحينما تهاوى جفناها ....
حينما انقطع الخيط ........ تهاويت بدوري ..... سقطت ..... همدت حركتي .... و.. أظلمت الدنيا ...
....................................
..........................
..................
استيقظت مفزوعا وأنا لا أدري معنا لذلك الحلم البشع .... قمت وأنا في أسوأ حالة مزاجية ممكنة .... غسلت وجهي بماء بارد ... وأخذت أنظر له في مراة الحمام ....
أخذت أتأمل لحيتي النامية والهالات تحت عيناي .... تأملت عيناي .... استغرقني الأمر قليلا حتى أعود لرشدي ... والغريب أنني وجدت أنني استغرقت خمس دقائق كاملة أقف هكذا ....
وعادت مشاهد ضبابية متقطعة من الحلم تتمثل أمامي .... فكان قلبي ينقبض ألما .... فأكثر ما علق بذهني هو وجه تلك الفتاة الصغيرة .... وجه دقيق رقيق برئ ..... لم يكن واضح التفاصيل ولكنه كان يقطر بتلك المعاني ... الرقة .... البراءة ....
نظرت للساعة ... إنها الحادية عشر ... لابد أن أرتدي ملابسي فورا .... هرعت أبحث عن قميص ... أكويه .... أرتديه واهرع خارجا ... لأكتشف أنني حافيا .... أرتديت الحذاء وجريت لألحق بموعد عملي الذي تأخرت عليه كثيرا .....
.............................................
..................................
.................
كان يوما طويلا .... وأنعدم مني التركيز طوال الوقت ... لم استطع أن ابعد ذلك الحلم من رأسي .... كان ذلك الوجه الملائكي يصحب مخيلتي أينما ذهبت .... وكان من الحمق أن أحاول حتى التظاهر بالتركيز .... لذا إعتذرت عن باقي اليوم ورحلت ....
فكرت في صديق لي ... طبيب نفسي .... ليس الأمر أنني أشك في شئ ولكنني أردت أن أعرف لم يسيطر هذا الحلم على تفكيري إلى ذلك الحد ....
ولكنه لم يقدم جديدا .....
- الحلم هو تفريغ لاشعوري للإنفعالات والمخاوف التي بداخلك ....
- أكنت أحتاج طبيبا لأعرف ذلك؟ أين جديدك؟؟
- كل ما أقصده أن الأمر يقبع بداخلك .... تفسيره لديك أنت .... وأنا رأيي الشخصي أن المرء هو أول طبيب نفسي لذاته ... كن صديقا لنفسك قليلا ... ستجد ما تبحث عنه ...
إلا أن كلماته لم تكن عديمة الفائدة تماما .... أنا بالفعل أحتاج أن أتأمل ذاتي قليلا .....
كان الوقت مبكرا .... لذا قررت أن أذهب لمكان هادئ .... مكان أستطيع فيه أن أفكر بصفاء...
وقد كان ... ذهبت الى ذات المكان الذي طالما أحببت المكوث فيه في صغري .... كان ذلك منذ ... حتى أني نسيت منذ متى !!!
أهم ما كان يميزه هو صفحة المياه الصافية .... وشجرة كبيرة وارفة قريبة من الماء ... كنت أجلس تحت تلك الشجرة بالساعات .... أيامها كنت حقا صديقا لذاتي ....
ولكنني حين عدت هذه المرة .... وجدت أن الماء الصافي إمتلأ بكل ما من شأنه أن يعكر صفوه .... والشجرة طالتها أيدي العابثين ... فشوهت جذعها وأقتلعت فروعها وأوراقها ... فصارت جذعا يابسا جافا .....
وقفت أتأمل ماأصاب المكان ... وهالني ذلك حتى أن عيناي كادت تدمعان .... ولا أدري سببا واضحا منعهما سوى أنني فقدت القدرة على البكاء منذ فترة طويلة ......
عادت قدماي تسيران دونما هدا .... وعادت صورة تلك الفتاة في الحلم تمثل أمامي .... وقد لوث وجهها الدم وأختفت من عينيها الحياة ...... وعادت عيناي تترقرقان دون قدرة حقيقية على ذرف الدموع .....

راودني إحساس قوي أنني السبب ... انا السبب في تلك الحالة التي وصل إليها ذلك المكان كما كنت السبب فيما حدث للطفلة في ذلك الحلم .... وكان ذلك الاحساس يقتلني قتلا ....
وكأنها كانت إشارة .... وكان على إثرها القرار .....
عدت إلى ذلك المكان واخذت اسأل ...
- لم وصل إلى هذا الحال تظنون؟؟
- إنه الإهمال ...
- إنها الحكومة...
- لم يعد الحال كما كان يا بني...
- إنه ....
قاطعتهم ....
- إنه نحن .... هذا ليس مكان أحد اخر ... هو مكاننا نحن ... فلا مسئول عما ال إليه سوانا ... ولن يصلحه أيضا سوانا ...
- نصلحه !!! هيهات يا أخ ... إنهم لا يريدون إصلاحا ...
- كان غيرك أشطر ...
- كن واقعيا ... إن له سنوات طوال يفسدونه ... كيف لنا أن نصلحه....
- إننا نريد أن نعيش فقط ...
تأملتهم في صمت .... وفي صمت أيضا ذهبت أقف هناك... أجمع القمامة ... اروي الشجرة ... أبحث عما يمكن إصلاحه ... كنت أريد أحدهم فقط أن ينضم لي ... ولكنهم ظلوا يتأملونني ما بين ساخر ومتحسر ... وكلهم يجمعهم اليأس ...ولكنني ظللت امل .... ومازلت .....

هناك تعليقان (2):

Sumaya Rabie يقول...

أهم حاجة الأمل فعلا وأهم حاجة ان الواحد يصلح اللي فسد أيان كان سبب فساده
واضح انك ما شاء الله يعني كاتب محترف

vepoo يقول...

ساعات كتير اوي بيكون السكوت واني معملش اي حاجة سبب اهم في الفساد من المفسد نفسه .....
مش لدرجة محترف .... وعموما ده بعض ما عندكم :)